vendredi 15 août 2014

..شخصية برنهارد العنيدة الجمال





توماس برنهارد صاحب تجربة إنسانية عميقة,ومعارفغنية ,تستطيع إلهامنا فن الحياة,و تحفزنا في أحيانكثيرة ,على الظفر بقيود جمة,و عشق كتاباته يمنحناباستمرار لذة و جمالا متجددين.فهو الكاتب الذي بمستطاعه إثارة المعارك الساخنة,و النقاشات العاصفة ,و الضغائن أيضا,و الخجل دائما.احتفالا بمرور مائة عام , على تأسيس مسرحburgtheatre في فيينا, تم تقديم مسرحية لبرنهاردعام 1988 ,و تعتبر من أشهر آثاره و أكثرها صدامية,فأصداء ضجتها تجاوزت حدود النمسا,بعد أن أضحتو لسنوات فضيحة كبرى_أرقت كثيرا توماس برنهاردإذ وصل الأمر إلى حد البصاق عليه في الشارع ,و تهديده بالعقاب,كما فعل السياسي اليميني"يورغ هايدر",بعد أن اعتبر خائنا للبلاد.و قد عدها رئيس النمسا آنذلك,"كورت فالدهايم"إهانة كبيرة للشعب النمساوي.و قال عنها مخرجها الألماني "كلاوس بايمان":في برنامج تلفزيوني,إنها مسرحية صادمة جعلتالبلد كله يحبس أنفاسه.و اللافت أن المسرحية ,التي أحدثت عاصفةكبيرة من الرفض و الإدانة,لم يسبق لها مثيلفي تاريخ النمسا ,قد كتبت بلغة شعرية متقنةو شفيفة ,و شديدة الصفاء أيضا.و قد اعتمد فيها برنهارد, أسلوبه الشعري الموسيقي,الذي سار خصيصة أسلوبية برنهاردية ,تقوم علىالتكرار الفني و جمالية الإلحاح و المبالغة .و توماس برنهارد ,انصرف منذ بداية مسيرته الأدبيةإلى النبش في الزوايا المعتمة , لتاريخه الذاتي ,و تاريخ مدينته و بلاده ,مساءلة و تفكيكا فنيالذلك تطالعنا العديد من أعماله, السردية المسرحيةنصوصا طافحة ,بصور الذات ,والتاريخ, و الخيال .كما تنفتح هذه النصوص,في احتفاءها بالمحلي علىأسئلة الكوني و الإنسانيو سئلت ذات مرة,امرأة فييناوية مثقفة,عن برنهاردفأجابت, وهي مرتبكة و علا فجأة ,وجهها احمراركبير,أنها لا تحبه و لا تتحمله ,ثم انسلت هاربةكأرنب مذعور.و تنبع ريبة و كراهية العديد , من النمساويين لبرنهاردو خاصة اليمينيين و المحافظين ,من كون الرجلقد ذهب بعيدا,و على نحو جذري و صادم ,كما لميفعل أي كاتب نمساوي من قبله,في تعرية مساوئمجتمعه,و في إدانة تاريخه و حاضره و تناقضاته,و في كشف قبح سلطاته,و برنهارد يردد كثيرا , و فينصوص عديدة ,فكرة مفادها ,أن المجتمع النمساويو إن تخطى زمنيا ,فترة النازية ,لم يتغلب بعد علىذهنيتها, الثقافية و السياسية,التي لا تزال حاضرةمتمكنة فيه.و توماس برنهارد ,و إن انطوت بعض من نصوصهعلى حس سوداوي بالعالم,ليس كاتبا عدميا ,مثل ما استقبله البعض,و أدبه لا يقدم رؤية تشاؤميةمطلقة,إنه كاتب يقلب في رماد الحياة, حياتهالصعبة المستحيلة , عن نور ,و معنى و أفق.فالمأساة/الإشكالية عند برنهارد ,ليس فيما يؤولإليه الإنسان ,و إنما فيما يعجز عن تعلمه, في تلكالمآلات.و في روايته "قطع الخشب",التي قدم فيها برنهاردبأسلوب ساخر و ممتع ,زيف مشهد الفن في فيينا,و مآزق قيم الفنانين,و انحطاط علاقاتهم,مستنتجاذلك من تجارب شخصية,عاشها مع موسيقيينو كتاب.و اتخذ برنهارد مسافة واعية,و مستفزة أحيانا,منعدة مفاهيم,وقيم,وممارسات,كانت سائدةو لاتزال في النمسا,و خاض تجربة حياة فردية,مستقلة عن أطر السلطة,كما أنه قرر مقاطعة الدولة,و أكد ذلك رسميا في وصيته الشهيرة,التي أعلنفيها تصفيه الكامل ,من الدولة النمساوية,و منع كلعمل ثقافي يخصه داخلها,في حياته و بعد موته.و في روايته "السبب", يطرق توماس برنهارد ,ظاهرة الإنتحار,في مدينة "سالزبورغ",عبر سردأحداث صباه الأليمة,أثناء الحرب العالمية الثانية,التي كان شاهدا , على دمارها و هولها الكبيرين ,و يقدم لنا بأسلوب ,يجمع بين السرد و التحقيقو التصوير,قصة الإنهيار الدرامي ,للمدينة و الإنسانو كيف أثر كل ذلك في مجرى حياة الناس ,التياستحالت حصارا,و تجويعا,و تعذيبا,و يذهب الكاتبإلى أن الإنتحار ظاهرة ,تخلقها وحشية المجتمعو أنانيته,و تفاقمها علاقة أفراده ,المهزوزة و اللاإنسانيةو يرى أن ذلك المجتمع,يعمل بوعي و دونه,خاصةفي العائلة و المدرسة ,على تحطيم الطفل و سحقه,و ذلك بزرع ماكينة اليأس في داخله, ثم صيانتهابالتخويف, إلى أن يستحيل ذلك الطفل إلى ركامبشري. و رغم صيت توماس برنهارد,الذائع عالميا,فإن تعتيمانمساويا رسميا,غير مرئي عليه,و على إبداعهلايزال قائما,و في أحيان كثيرة ,بطرق مواربة مريبة,و برنهارد في نظرهم ليس نمساويا.أما الإبداعات البرنهاردية,فهي ذات مستوى فني فاره,و عنيدة الجمال كشخصية برنهارد.يقول برنهارد:الآن في الربيع
لم أعد أستطيع فهم لغة الحقول
و الموتى ينظرون إلي
بعيون كبيرة
و القمح يرغوو النهر يحدثني عن السماءحيث يضحك الأطفال
هنا بلدي أغرب عني
من كل بلدان الأرض

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire